هل تخرجت ؟ هل توظفت ؟ هل تزوجت ؟ هل أنجبت ؟ هل أنت حامل ؟ ...
ولم يخطر ببال أحد أن يسأل ذات مرة : هل أنت سعيد ؟ !!! ربما لأن لا أحد يهتم بذلك أو ربما لأن الناس عليها من الظاهر فاعتاد الكثير منهم على توقع أن شخصا ما لابد أن يكون سعيدا بناءا على الامور التي يرونها هم فقط ووفقا للسيناريو الذين يعرفونه ويفهمونه هم
والمفروض الذي لطالما أرهقنا هو : بما أن لديك وظيفة في مكان معين تدر ربحا بمقدار معين أنت سعيد
أو ان كان الشخص في عمر معين متزوجا , لديه أبناء فهو سعيد
او بما أنه يسكن بيتا في منطقة معينة أو يملك سيارة ذات طراز معين فهو سعيد ...بغض النظر عن طبيعة عمله أو علاقته بشريكه أو نوعية سكنه
فكيف له أن يشكو !؟
ألم نبرمج على أن نمضي في حياة مرسومة لنا مسبقا ؟ سبق أن خططها وبرمجها لنا الأهل أو الزوج أو الاصدقاء أو الأساتذة أو الأطباء والجيران والأقارب وبقية أفراد المجتمع
ألم تكرر على مسامعنا كثيرا تلك الأقوال المأثورة :
- عصفور في اليد خير من عشرة على الشجرة
- اقضب مينونك لا اييك اللي اين منه
- احمد ربك فهناك من هو أسوأ منك
- انظر لمن هم أقل منك
- كلام الناس مهم فنحن لا نعيش وحدنا
- اللي ما يطيع يضيع
- أكل ما يعجبك والبس ما يعجب الناس
والكثير الكثير مما لا أطعن بصحته ولكني أستغرب تفسيره بشكل خاطئ يحرمنا من حقنا في اختيار قراراتنا وتشكيل حياتنا وفق قناعاتنا الخاصة
حتى الكتب في الكثير منها تدعونا للمسايرة وتنبهنا للمفروض وكأننا نعيش في عالم مثالي نشرب شاي الضحى به مع السيد أفلاطون ونتناول به العشاء مع الأخ سقراط ! و كأن الحكمة هي أن نتجاهل رغباتنا واحتياجاتنا وأفكارنا مسايرة لما هو متعارف عليه في مجتماعتنا! , في الوقت الذي اعتاد به الناس على نمط من الحياة يولي الاهتمام البالغ للظاهر من أمور حياتنا أكثر من مشاعرنا واحتياجاتنا , حتى أهلنا يهتمون بتحصيلنا العلمي وتفوقنا المهني أكثر من اهتمامهم برغباتنا ربما لاعتقادهم أنهم هكذا يؤمنون مستقبلنا ويحمونا من أنفسنا الجامحة نحو المغامرة
فنحن نتعلم وندرس وفق ما يحدده لنا مجموع درجاتنا أو حسب متطلبات التخصص الذي يتم قبولنا به وليس بناءا على رغبتنا
ونحن نعمل وفق المكان الذي يرشحنا به ديوان الخدمة أو في المكان الذي تصل إليه واسطتنا وليس بالمكان الذي نطمح
ونتزوج من الأشخاص المتوفرين لدينا أو المناسبين لوضع عائلاتنا لا من الأشخاص الذين نحلم بهم أو نشعر أننا معهم تكتمل حياتنا
فيصبح أمر الاستقالة من عمل الى عمل أقل راتبا يتطلب تفسيرا معجزا ومسألة طلاق أحدهم لعدم التفاهم أمرا يتطلب تبريرا شافيا وموضوع تغيير التخصص الدراسي لأحدهم من علمي الى أدبي مثلا يحتاج الى أسباب مقنعة .
لذلك نعيش في دوامة ونحمل غيرنا مسئولية سعادتنا لأن قرارنا بالاقدام على خطوة تغيير جذري يعد مجازفة وربما استهتار ورعونة
في العالم الغربي الأمر مختلف فالاحتياجات والمشاعر تحتل لديهم قدرا لا بأس به من الإحترام , في أحد الكتب التي قرأتها يوما وتعود لمصادر أجنبية يقول كاتبها في مقدمته : { كنت محاميا ناجحا , وأترافع بأهم القضايا ولكنني كنت تعيسا أواجه مشاكلا كثيرة على المستوى الشخصي , اليوم تركت مهنة المحاماة وأعمل في إدارة الندوات والورش التي تهدف للتواصل بين الناس , وأنا أستمتع جدا بذلك وأشعر أنني سعيد ولدي القدرة على حل واجتياز مشاكلي }
في كتاب آخر يذكر قصة فتاتين اقدمتا على مغامرة ترك العمل في احدى المؤسسات والذي كان يدر عليهما ربحا ممتازا لرغبتهما بتحقيق حلم رادودهما يوما وهو إعداد كتاب للطبخ يختص بتحضير وصفات سريعة وصحية وذلك لإن احداهما تهوى الطبخ والأخرى تملك المقدرة على الكتابة ( لو عندنا جان قالوا الناس هذيلا وييين والشغل وين أصلا أهم فاشلين , يدورون الراحة مايبون الالتزام ) ورغم سلسلة من الظروف الصعبة والعوائق التى اعترضت مسيرتهما الا انهما في النهاية تمكنتا من نشر كتاب استطاع أن يحقق أعلى المبيعات والأهم أنهما كانتا سعيدتين بحياتهما الجديدة
أتذكر في إحدى حلقات د. فيل كان يتحدث مع مجموعة من النساء البائسات واللاتي يعانين العنف من قبل أزواجهن وسوء المعاملة وبالتالي لايملكن الثقة بمقدرتهن على اتخاذ قرارت تعيد التوازن النفسي لحياتهن واحداهن كانت ترجع سوء حياتها مع بعلها وتحملها ( الظيم والظلايم منه ) الى اشتراطه بأن تتنازل له عن البيت الذي سبق وساهمت هي بشرائه وبالتالي فليس لها خيار آخر فرد عليها ( اسم النبي حارسه وصاينه ) د.فيل قائلا : {أفهم إنك قررت أن تبيعي حياتك وسعادتك من أجل مجموعة من الحجارة والقرميد is it worth it !? }
رجاءا جمهورنا الكريم تصفيق حاد
لم لا نفكر نحن أيضا هكذا !؟ بل الأهم لم لا يحترم الآخرين رغبتنا في احترام مشاعرنا وتلبية احتياجاتنا الاساسية بالوصول الى السعادة التي نريد والتي تحقق لنا التوافق الداخلي الذي يوازن حياتنا ؟؟
لكل منا أسبابه للسعادة
ولكل منا أولوياته وأفكاره
ولكل منا مفهومه للنجاح
أليس الامر جديرا بأن يتوقف كل من لاعمل له سوى التركيز على حياة الآخرين والتنقيب عن أخطائهم واختلافاتهم ؟ ألا يستحق الأمر أن نشجع أبنائنا وأزواجنا وأصدقائنا وأحبابنا و...على أن يكونوا أنفسهم ويلتفتوا لاحتياجاتهم ويحققوا أحلامهم ورغباتهم ؟
إفعل ما تحب ...حقق ذاتك وعبر عن نفسك بالطريقة التي تريد , اتبع حلمك ولا تلتفت الى هؤلاء الذين يعيشون لانتقاد تصرفات الغير ولترديد الاسطوانات الفارغة التى سمعوها هم وطبقوها
أسوأ الناس وأتعسهم هو من يعيش كما يريد الآخرين لا كما يريد هو